← Back to portfolio

الثورات الفوضوية

Published on

ليس مبالغ فيه عندما نشبه الشرق الأوسط بأنها في حالة دائماً من السخونة والفوران الشعبي يواجه تقلبات سياسية مفاجأة وهذه التقلبات تشبه بالعدوة لا تصيب الدولة المستهدفة فحسب وإنما الدول المحيطة بها وعندما تسقط دولة في فخ الفوضى تبدأ الدول المحيطة مراقبة الدولة المجاورة لها بحذر وتسعى جاهداً أن تأخذ لقاح سياسي وأمني مضاد لهذه العدوة على أمل أن لا تصاب بالعدوى و بالتقلبات السياسية التي تحدث في الدول المجاورة لها، لكن هل تنجح في القضاء على فيروس الفوضى أما أن الإصابة بفيروس الفوضي أمر لا بد منه لتحصل على مناعة وتقوى؟ وهل بعد أن تصاب بفيروس الفوضى الذي يتخفى وراء الثورات تقوى الدولة والأنظمة أم أن هذا الفيروس يضعف مناعة الدولة والشعب إلى أن يفككها ويوصلها إلى مرحلة الهشاشة ويحولها إلى جثة هامدة؟

بعد مشهد الأردن أمس وأنباء عن أن كان هناك محاولة إنقلاب ضد النظام الحاكم وإصابة البيت الهاشمي حالة من التصدع وتضارب الأقاويل والتفسيرات بعد هذا المشهد الذي سارعت الدولة الأردنية إلتأم الموقف واتخاذ تدابير منعاً لعدم حدوث أثار جانبية و توسيع فجوة التصدع بدأت هناك أفكار عن إحتمالية إسقاط النظام الحاكم وحدوث ثورة في الأردن لي إتمام هذه المهمة بنجاح، لكن هل يمكن أن يحدث ذلك هل يمكن أن نشهد ثورات أخرى في المنطقة العربية بعد مرور ١٠ سنوات من ثورات الربيع العربي ويتم إحياء هذه الذكرى بثورات أخرى لكن تحدث هذه المرة في دول الخليج العربي؟

صراحاً في منطقة اعتدنا عليها أن نشاهد المفاجأت فحسب فكل شيء ممكن وجائز فبعد نموذج الأردن بدأت الدول العربية جميعها تسارع التضامن مع الملك عبدالله الثاني وتؤكد إنها معه لكن قبل هذا المشهد يمكن أن نرجع بالذاكرة إلى الوراء وهو ارتفاع حرارة التصريحات بين الأردن وإسرائيل بعد أن تم تأجيل رحلة نتنياهو [الإنتخابية] إلى الأمارات وخروج نتنياهو يتهم الأردن أنها تسببت في حدوث تأجيل هذه الرحلة ثم ردت الأردن علي الإتهام الإسرائيلي وهذه التوترات المفاجأة لم تلقى إعجاب داخل إسرائيل ونقد وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس تصرفات نتنياهو وطلب منه التوقف عن ذلك لأن ذلك يضر بعلاقات إسرائيل مع الأردن ثم بعد هذا المشهد حدثت اضطرابات داخل الأردن وبدأ عدد من الاحتجاجات تصيب الأردن وبدأ الترويج لها على بعض مواقع التواصل الاجتماعي من جانب بعض النشطاء الإسرائيلين أن الأردن تنتفض! واستمرت هذه الأحتجاجات فترة ثم بعد ذلك نخرج بمشهد أمس محاولة انقلاب على النظام الحاكم وتداول خبر أن [إسرائيل] حذرت أن هناك محاولة إنقلاب تتم ضد النظام الحاكم

لا أريد صراحة إلقاء التهمة على إسرائيل لكن هذه مجرد تركيب سلسلة الأحداث مع بعضها ومحاولة لترتيب الأحداث مع بعضها وقد يكون كل حادث هو منفصل عن الآخر وقد يكون كل حادث هو مكمل لأخر وكون لنا مشهد أمس هو محاولة إنقلاب الفاشلة ضد النظام الحاكم..لكن أذا افترضنا أن هذه محاولة الانقلاب نجحت وتم إسقاط النظام وحدثت حالة من الفوضى داخل الأردن وأصابت بعدوى الفوضى والانقسامات وانعدام الأمن كيف سيكون حال الدول العربية التي لم تصيبها بعد فيروس الثورات الفوضوية ما الذي ستفعله حينها ما هي التدابير التي ستتخذها لحماية نفسها من فيروس الثورات الفوضوية هل ستستسلم لهذا الفيروس أم أنها ستعمل أتخاذ لقاح وتطهير بين فترة وأخرى داخل الدولة لحماية نفسها؟؟ فمما لاشك فيه أن الدول الخليجية لا تريد تجربة مذاق هذه الثورات الفوضوية ولا تريد أن تكون مثل دول عربية أنهكتها الثورات الفوضوية وأصابت جسم الدولة حالة من الهشاشة والضعف وتم قطع مفاصل الدولة وتحولت أشلاء فبالتأكيد هي لا تريد أن تصيب بهذا الداء الخبيث الذي يدعي الثورات الفوضوية الذي لا يكون له دواء إذا أصابت الدولة بمرض الانقسامات وتغليب المصالح الشخصية على مصلحة الوطن فدول الخليج والدول التي لم تصيب بهذه الثورات الفوضوية هي شاهد عيان على ذلك ومما لا شك فيه أن إصابتها بهذا الفيروس سيكون بمثابة الضربة القاضية لما تبقى من منطقة الشرق الأوسط..منطقة سكانها اعتقدوا أن ثورات الربيع العربي ستأتي معه الخير وتأتي معه الحريات والديمقراطية والعدالة والحياة الكريمة كان لديهم أمل أن يمكن أن يحدث تغيير، لكن استيقظوا على كابوس وتغيروا إلى الأسوء ومن الوقوف على حافة الهاوية إلى السقوط في الهاوية وتحول دول بعد فيروس الثورات الفوضوية إلى مرتكز للجماعات الإرهابية وساحة لتصفية الحسابات ومحو هوية واستقلالية الدول فبعد أن تحرر بعضهم من الأنظمة الفاسدة أصبحوا أسري أما للجماعات الإرهابية التي انتعشت وتكاثرت في هذه البيئة الفوضوية التي هي بيئة خصبة لهم وتنوعت أسماء هذه الجماعات الإرهابية وانتمائتهم الفكرية والسياسية أو اصبح الشعب أسرى لبقاية النظام الفاسد لم يستطيعوا الأفلات والهروب منه وبقوا أسري له واذا كان التغيير هو حلمهم فهذا الحلم مات ودفن وبات حلمهم هو إما العودة إلى ماقبل ثورات الفوضوية أو هروب المواطن من جبروت النظام الطاغوتي إلى دولة أخرى يستطيع فيه أن يفتح نوافذ الفكر ويجددها ويشم نسيم الحرية ويستخدم هذا الحق الذي ولد به بالفطرة الذي أصبح من المحرمات في دولته ويبدأ يعارض النظام ويتلقي النظام الاتهامات بصدر ضيق ويتلقي المواطن الذي تحول بعد ذلك إلى غريب في وطنه ثم مشرد ثم لاجئ سياسي يمارس مهنة اللجوء السياسي يتلقى هذا اللاجئ السياسي التهديدات وصدره يشبه وسع البحر ووسع الفضاء لا نهاية له لأنه صدره أخذ جرعة من الحرية وشم نسيم الحرية فأصبحت التهديدات بالنسبة له مقوي لفكره وإصراره على التغيير لكن من الخارج

فالثورات الربيع العربي أثبتت أن التغيير لا يتم بالثورة على النظام فحسب وأنما التغيير يأتي بداية من الثورة على الجهل الثورة على انعدام الوعي الثورة على الفكر المقيد الثورة على الإعلام الموجه الثورة على التغيير في كل مفاصل الدول والشعب الثورة على النظام والثورة على الشعب نفسه التغيير يبدأ بتغيير المواطن بتثقيفه بثقافة الحرية والديمقراطية وممارسة الحياة السياسية بحرية تثقيفه بمفاهيم حقوق الإنسان وتثقيفه بمعاني السلام والتعايش تثقيفه على تقبل التغيير وليس الجمود وعبادة الأنظمة الحاكمة علي أنهم آله ويجب تقديسهم